القرآن دستور الله ومعجزة نبيه الخالدة ، فهل جمعه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتاب خاص ليحفظه من الضياع ؟
إنّ الناظر في كتب الحديث يرى أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أوكل أمر القرآن إلى حفظ الصحابة وجمعهم له ، فقد كان البعض يحفظ ما نزل منه ، وكان آخرون يكتبون بعض سوره في الصحف ، ولا تذكر المصادر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اتخذ موقفاً حاسماً بشأن القرآن فقام بجمعه حسب ترتيب نزوله في كتاب خاص .
أجل ، هناك قسم من العلماء يذهب إلى أنّ القرآن جُمع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومنهم : الزرقاني ، الزركشي ، الباقلاني وغيرهم .
إلاّ أنّ هذا القول يصطدم بروايات جمع القرآن في عهد أبي بكر ، فإذا كان
القرآن مجموعاً عند بعض الصحابة فلماذا يأمر أبو بكر زيد بن ثابت بجمعه ؟
أخرج البخاري عن زيد بن ثابت ، قال : « أرسل إلىَّ أبو بكر ، مقتل(1) أهل اليمامة ، فإذا عمر بن الخطاب عنده ، قال أبو بكر (رضي الله عنه) : إنّ عمر أتاني فقال : إنّ القتل استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن ، وإنيّ أخشى أن يستحر القتل بالقراء بالمواطن ، فيذهب كثير من القرآن ، وإني أرى : أن تأمر بجمع القرآن .
قلت لعمر : كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟ !
قال عمر : هذا والله خير .
فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر...
قال زيد : قال أبو بكر : إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علىَّ مما أمرني به من جمع القرآن .
قلت : كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
قال : هو والله خير .
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب ،
واللخاف(1)، وصدور الرجال.. ، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الانصاري لم أجدها مع أحد غيره ! لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ، حتى خاتمة براءة.. فكانت الصحف عند أبي بكر ، حتّى توفاه الله ، ثم عند عمر حياته ، ثم عند حفصة بنت عمر(رضي الله عنه) »(2) .
إنّ المتأمل في قول أبي بكر لعمر : « كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) » ، وقول زيد لهما : « كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله » يتبين له بوضوح أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يجمع القرآن وإنما جمعه زيد بن ثابت بأمر أبي بكر الذي أقنعه عمر بذلك ، وقد جمعه زيد من الصدور والسطور .
قال ابن جزي : « وكان القرآن على عهد رسول الله متفرقاً في الصحف