الدين وعوامل التنشئة الاجتماعية :
من المتَّفَق عليه أن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يتأثر ويؤثر اجتماعياً ، فيتأثر بأهله وبمجتمعه وبتاريخه ، وبكل ما يحيط به ، ليؤثِّر أخيراً في بناء شخصية أبنائه ، ومن ثم في حياتهم ، فيرسمُ لهم الأطر التي ضمنها يتحركون .
وقد ثبت علمياً بأنَّ الأسر التي يطغى على تربيتها عوامل التشتت والتفكك تؤدي بالأبناء بمرور الزمن إلى اللامبالاة ، أو عدم الاهتمام ، أو النقيض التام ممَّا تعلموه في طفولتهم ، وهو التقيد والتمسك بالتقاليد ، ودقَّة المواعيد ، وإِتْقان الواجبات الحياتية بأدقِّ الصور .
وهناك بعض السمات التي تبدو واضحة على شخصية الأبناء الذين تلقوا التربية في ظِلِّ ظروف غير اعتيادية ، مثل الأسر التي يتعاطى فيها أحد الأبوين الكحول .
حيث من المحتمل أن تعصف المشكلات الخطيرة بكيان الأسرة ، وتهزُّ أركان تماسكها ، فهو مرض اجتماعي خطير ، يؤثر بشكل سلبي على نسيج العلاقات الاجتماعية السائدة في المجتمع .
ولكن تبقى المكونات الفردية التي ينشأ عليها الأطفال أثناء تلقيهم التربية بأنواعها ، ومدى تقبُّلهم أو رفضهم لتلك العوامل المؤثرة مباشرة ، فهي التي تحدد سلوكهم ، فضلاً عن التنشئة الاجتماعية خارج الأسرة التي تصقل الخبرات الأولى التي تعلمها من الأسرة ، وكذلك تأثير الأقران في ذلك الصقل .
وعند تحليل المكوِّنات الفردية والعوامل الخارجية المؤثِّرة نجد أن الأولى تسمى المكونات الذاتية ، والثانية العوامل الخارجية الموضوعية ، فالشخصية في تصرفها تسلك على وفق هذين المؤثرين الذاتي والموضوعي .
ولكن يبقى العامل الآخر الأهم - والذي يعد المؤثر الأكبر في التكوين في مجتمعاتنا - الذي هو توكيد النزعة الأخلاقية ، التي يلعب الدين فيها دوراً مهماً ، ومنهج القرآن الدور الأكبر .
والقرآن دقيق الوصف لنفوس الأفراد والجماعات ، ووصفه ينطبق على نفوس الناس في كل زمان ومكان ، لأنَّه يتماشى مع وصف خصائص النفس وصفاتها الموروثة والمكتسبة .
فالقرآن يحض على تهذيب النفس ، حيث قال عزَّ وجلَّ : ( إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ) الرعد : 11 .
وقال الإمام علي ( عليه السلام ) : ( النَّاسُ صِنْفَان : إمَّا أخٌ لَكَ في الدِّينِ أوْ نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلْقِ ) .