أولياء الله أهل صمت وتأمّل
إن الإنسان المهذار الثرثار الذي يطلق للسانه العنان ويتفوّه بكلّ ما يخطر بباله، ولا يرى قيمة لوقته وحياته، مثل هذا الإنسان لن يصل إلى شيء.
أما نحن الذين نهدف إلى بلوغ جوار الله تعالى واقرب من الأنبياء والمتقين فينبغي أن لا نكون كذلك وأن نعلم أن التكامل لا يأتي من لا شيء وبلا تأمل وفكر.
كان للإمام موسى بن جعفر ولد يسمى بزيد النار لأنه أحرق بعض بني أمية بالنار، ولم يكن سالكاً طريق أبيه، فقال له الإمام الرضا سلام الله عليه يوماً ينصحه: «إن كنت ترى أنك تعصي الله وتدخل الجنة وموسى بن جعفر سلام الله عليه أطاع الله ودخل الجنة فأنت إذاً أكرم على الله عز وجل من موسى بن جعفر. والله ما ينال أحد ما عند الله عز و جل إلا بطاعته».
ونحن الذين نريد أن نكون غداً مع أولياء الله في الجنة، ليس لنا إلى ذلك إلا طريق واحد وهو سلوك طريق أولياء الله تعالى، ومن أساسيات طريقهم أنهم كانوا أهل صمت وتأمل، وكما ورد في الحديث عن الإمام أبي عبد الله الصادق سلام الله عليه: «الأغلب من غلب بالخير والمغلوب من غُلب بالشر. والمؤمن ملجم».
وفي حديث آخر أنه توجد على لسان الإنسان أربعة أبواب وهي الشفتان الفوقية والتحتية والأسنان الفوقانية والتحتانية، فلماذا لا يلتزم الإنسان الصمت رغم كلّ ذلك؟!
هب أن بعض الكلام ليس حراماً، ولكن لماذا الإسراف والتبذير؟ أجل إن هذا من أسوأ أنواع الإسراف وإن لم يذكر تحت اسمه، وربما لم يعرف ذلك كثير من الناس، مع أنه قد يكون أسوأ من إسراف المال أحياناً.
تبلور مما تقدم أن الصمت أحد الفضائل الأخلاقية التي يحتاج الإنسان لتحصيلها إلى التجربة وتحتاج التجربة إلى زمن، وإلى ثبات وصمود بيد أنه يجب مع ذلك على الإنسان أن لا يغفل عن الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوسل به وصولاً إلى النتيجة؛ قال تعالى ﴿قل ما يعبأ بكم ربي لو لا دعاؤكم﴾.
فهذه خمس فضائل (معرفة قيمة الوقت والتأمل قبل الكلام وترويض النفس والثبات والاعتماد على الله تعالى) وصولاً إلى فضيلة الصمت التي إن وفقنا لبلوغها سنشعر حينها كم من كلماتنا قد ذهبت قبل ذلك هدراً بلا نفع لأنفسنا ولا لغيرنا. فلننتهز الفرصة قبل أن يأتي يوم لا نستطيع أن نزيد فيه من حسناتنا أو ننقص من سيئاتنا.