النبي قبل فتح مكة
منذ أن جهر رسول الله(ص) برسالته وقريش وحلفاؤها أعلنت ضده حرباً لا هوادة فيها استعملت فيها جميع العيارات والأساليب والحيل والطرق.
تارة بالكلام: فقالوا عنه، شاعر ساحر، مجنون، ولعل كلمة ساحر اكثر الألفاظ التي راجت عند عموم قريش حيث جاءت بعد أن استمع الوليد بن المغيرة إلى رسول الله(ص) وهو يتلو القرآن فقالوا له ما تقول يا أبا عبد شمس، فقال: قولوا هذا سحر، وإلى هذا الحدث أشارت الآيات 11-28 من سورة المدثر فقالت عنه ( فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) .
وتارة بالإغراء: حيث عرضوا عليه مالاً وفيراً وامتيازات عديدة مقابل تركه أمر تبليغ الرسالة، ووسطوا في ذلك بدايةً عتبة بن ربيعة واتبعوه بعمه (أبو طالب(ع) ) ولم يتركوا رسول الله حتى سمعوا قولته المشهورة التي نقلها لهم أبو طالب (...يا عم! والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في شمالي ما تركت هذا القول حتى أنفذه أو أُقتل دونه...).
وتارة بالاضطهاد: فقد استعملوا ضده شتى ألوان الاضطهاد
رجموا بيته بالحجارة.
ألقوا رحم الشاة المذبوحة للأصنام عليه.
ألقوا النجاسات أمام داره.
وضعوا الشوك في طريقه.
ألقوا التراب على رأسه.
ضربوه وخنقوه اكثر من مرة.
سلطوا الصبيان عليه يرمونه بالحجارة.
وتارة بالمقاطعة: فبعد أن أخفقت في أساليبها السالفة أعلنت قريش مقاطعتها للنبي(ص) وأصحابه، فكتبت صحيفة علقت داخل الكعبة تضمنت بنود مقاطعة بني هاشم جميعاً وحصرتهم في شعب أبي طالب، وتجردت عن إنسانيتها فمنعت عنهم الطعام، وجراء هذه الشدة والقسوة توفي أبو طالب وخديجة فعرف ذلك العام بعام الحزن.
ومع كل ذلك كان رسول الله(ص) ثابتاً على إيمانه، صابراً على الأذى يرد الإساءة بالإحسان (اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون).
ينقل منيب بن مدرك بن منيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله(ص) في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا لا اله إلا الله تفلحوا.
فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثى عليه التراب، ومنهم من سبّه، فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية! أصبري ولا تحزني على أبيك غلبة ولا ذُلاً. فقلت من هذه؟ فقالوا: زينب بنت رسول الله(ص) وهي جارية وصيفة.
وعن ابن مسعود قال: كأني أنظر إلى رسول الله(ص) يحكي نبيا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).
وربما قوله(ص) (ما أوذي نبي بمثل ما أُوذيت) لا يستثني أي أسلوب مورس ضده كما أن كلامه(ص) إلى الخبّاب بن الارت عندما طلب منه أن يدعو على قومه فقال له: (قد كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد، ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه وليتمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) يظهر قوة واستعداد النبي(ص) لتحمل الأذى والصبر على الناس وطول البال وضبط النفس وهي أمور فقدتها ساحاتنا الخاصة والعامة ولم تعد منظوره أو مسموعة من أي جهة معارضة أو حاكمة.