وقد سجل لنا التاريخ وقائع كثيرة تتجلى لنا من خلالها رحابة الإسلام في تعاليمه الخلقية ، فهذه أخلاق أهل البيت عليهم السلام شاهدةً بعد أن جسدت لنا معنى أن يحافظ الإنسان على قيمه وأخلاقه حتى مع المخالف في المذهب والدين .
فقد شكا يهودي علياً بن أبي طالب عليه السلام للخليفة عمر ، فقال عمر لعلي عليه السلام : قم يا أبا الحسن واجلس بجنب خصمك اليهودي .
ففعل علي عليه السلام وعلى وجهه علامة التأثر فلما فصل عمر قال لعلي : أكرهت أن تساوي خصمك ؟ قال لا لكنني تألمت لأنك ناديتني بالكنية ، فلم تساوي بيننا ـ باعتبار أن الكنية للتعظيم والمفروض في نظر أمير المؤمنين عليه السلام (في نظر خلق الإسلام) أن يساوي القاضي بين الخصوم حتى لو كان أحدهما علي عليه السلام نفس الرسول (ص) والآخر يهودي ـ فخشيت أن يظن اليهودي أن العدل ضاع بين المسلمين .
وفي البحار عن أبي جعفر الباقر عن أبيه عليهما السلام : إن علياً عليه السلام صاحب ذمياً ، فقال الذمي أين تريد يا عبد الله ؟ قال أريد الكوفة فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه علي عليه السلام .
فقال له الذمي : أليس زعمت تريد الكوفة ؟ قال: بلى . فقال الذمي فقد تركت الطريق . فقال علمت . فقال له فلم عدلت معي وقد علمت ذلك ؟ فقال علي عليه السلام : هذا من تمام حسن الصحبة أن يشيع الرجل صاحبة هنيهة إذا فارقه وكذا أمرنا نبينا (ص). فقال له : هذا ؟ فقال : نعم . فقال الذمي : لا جرم إنما تبعه من تبعه لأفعاله الكريمة وأن أشهد أني على دينك ، فرجع الذمي مع علي عليه السلام وأسلم .
ومما ينقل في ذلك أن ابن عباس أمر غلامه بعد سلخ شاة أن يبدأ بجاره اليهودي ، وكرر أمره له حتى قال الغلام : كم تقـول ذلك ؟ فقال : إن رسـول الله (ص) لم يزل يوصينا بالجار ، حتى خشينا أنه سيورثه .
" أقول " ليس مـن العجب أن تتمتع الشريعة الإسلامية بهذه التعاليم العالية ، فالخلق الحسن ـ كما تقدم ـ يشكل واقع الدين ، والإنسان مطالب بحظ دينه وتدينه في كل الأحوال وعلى جميـع الأصعـدة في معاملاته وأخـلاقه ، سواء كان التعامل مع الموافق في المذهب والاعتقاد أو لم يكن .
بل إن الخلق الحسن في نظر الإسلام لا تقف في رحابتها عند الإنسان موافقاً كان أو مخالفاً ؛ بل أنها تتعدا هذه الدائرة الضيقة لتشمل سائر المخلوقات من حيوانات وجمادات .