لمّا اشتدّ بلاء قريش على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعقيب وفاة ناصره وحاميه أبي طالب (عليه السلام) عانى الرسول (صلى الله عليه وآله) من سفهاء قريش ما عاناه، حيث إنّهم تجرّؤوا عليه وكاشفوه بالأذى ونالوا منه ما لم ينل قومه في مكّة.
وقد كان معه آنذاك زيد بن حارثة مولاه، فأقام بينهم في الطائف عشرة أيّام لا يدع أحداً من أشرافهم إلاّ جاءه وكلّمه.
فقالوا: أخرج من بلادنا، وأغرّوا به سفهاءهم، فأخذوا يرجمون عراقيبه (صلى الله عليه وآله) بالحجارة حتّى اختضبت نعلاه بالدماء.
وكان (صلى الله عليه وآله) إذا أذلقته الحجارة قعد إلى الأرض فيأخذونه بعضديه ويقيمونه، فإذا مشى رجموه وهم يضحكون، بينما كان زيد بن حارثة يقيه بنفسه، حتّى لقد شجّ في رأسه شجاجاً، وما زالوا به حتّى ألجئوه إلى حائط لابنيّ ربيعة: عتبة وشيبة.
فعمد إلى الظلّ وانصرف عنه السفهاء، فأخذ (صلى الله عليه وآله) يناجي ربّه ويدعوه بالدعاء المأثور قائلا (صلى الله عليه وآله): «اللهمّ إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي، وقلّة حيلتي، وهواني على الناس، أنت أرحم الراحمين، وربّ المستضعفين، وأنت ربّي، إلى من تكلني؟ إلى عدوّ بعيد يتجهّمني، أو إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا اُبالي، غير أنّ عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك، أو يحلّ عليّ سخطك، لك العتبى حتّى ترضى، ولا حول ولا قوّة إلاّ بك».
فلم يدع على القوم أبداً، بل كان يقول: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.