كان الوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن طلاطلة ، بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يستهزئون من دعوته ، ويهدّدونه بالقتل إن استمر في الدعوة .
فقالوا له : يا محمد ، ننتظر بك إلى الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك .
فدخل النبي ( صلى الله عليه وآله ) منزله ، وأغلق عليه بابه مُغتَمّاً لقولهم ، فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) عن الله سبحانه من ساعته فقال : يا محمد ، السلام يقرأ عليك السلام ، وهو يقول لك : ( فَاصدَعْ بِمَا تُؤْمَرَ وَاعْرِضْ عَنِ المُشرِكِينَ ) الحجر : 94 .
يعني أظهر أمرك لأهل مكة ، وادعهم إلى الإيمان .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : ( يا جبرئيل ، كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني ) ؟
قال له ( عليه السلام ) : ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ) الحجر : 95 .
فأظهر ( صلى الله عليه وآله ) أمره عند ذلك .
وأما المستهزئين الخمسة فقد قتلهم الله ، وكل واحد تختلف قتلته عن الآخر .
فأما الوليد بن المغيرة ، فمرَّ بنبل – السهام العربية – لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق ، فأصابه شَضِيَّةً منه ، فانقطع أكحله ، فمات وهو يقول : قتلني رَبّ مُحمد .
وأما العاص بن وائل السهمي ، فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدحرج تحته حجر ، فسقط ، فتقطَّع قطعة قطعة ، ومات وهو يقول : قتلني رَبّ محمد .
وأما الأسود بن عبد يغوث ، فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة ، فاستظلَّ بشجرة ، فأتاه جبرئيل ( عليه السلام ) ، فأخذ رأسه فنطح به الشجرة ، فقال لغلامه : امنع هذا عني ، فقال الغلام : ما أرى أحداً يصنع بك شيئاً إلا نفسك ، فَقُتِلَ وهو يقول : قتلني رَبّ مُحمد .
وأما الأسود بن المطلب ، فإن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا عليه أن يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل
( عليه السلام ) بورقة خضراء ، فضرب بها وجهه فعمي ، وبقي حتى أثكله الله عزَّوجلَّ ولده ، ثم مات وهو يقول : قتلني ربّ مُحمد .
وأما الحارث بن الطلاطلة ، فإنه خرج من بيته في السموم فتحوَّل حبشياً ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحارث ، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول : قتلني رَبّ مُحمد ، كل ذلك كان في ساعة واحدة .
وروي أيضاً أن الأسود بن الحرث أكل سمكاً مالحاً فأصابه عطش فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه ، فمات وهو يقول : قتلني رَبّ مُحمد .