[من الموضوعوت الهامة التى شغلت أذهان الباحثين فى بداية مطلع فجر الأفكار الوهابية فى بلداننا هى المسائل المتعلقة بما يرتبط بالنبى الأعظم (صلى الله عليه واله)، سيما قضية مسألة علم الغيب. والسؤالات من قبيل: ما هو الغيب؟ هل علم الغيب منحصر بالبارى عز و جل؟ هل يلزم الإخبار بالغيب كون المخبر عالما للغيب؟ وما المراد بلا يعلم الغيب إلا الله؟ هل الله لم يعط النبي قدرة على الغيب، لا أصالة ولا تبعا؟ هل علمه عليه السلام بالغيب إرادي والتفاتي أو حضوري (ككونهم عالمين بجميع ما كان وما يكون وما هو كائن ولا يعزب عنهم مثقال ذرة إلا اسم واحد من أسمائه الحسنى تعالى شأنه المختص علمه به تبارك وتعالى)؟
والمسألة قد ثارت المجادلة الشديدة سيما بين الصوفيين و الوهابيين؛ حيث ذهب الآخرون على النفى بالشدة، و الأولون على الإثبات والتأكيد. لذا رأيت من الأحسن أن أكتب شيئا بسيطا فى الموضوع، عله يساعدنا فى تشخيص محل الجدال ورفع الإبهامات. ومسألة علم الغيب من المسائل المهمة: يقول السيد ابن طاووس الحسني: وبما أن أمور الدين كسلسلة متلاحقة لا يتصور التفريق بينها فالواجب الذي يتحسسه علمائنا في الدفاع عن دين الله تجاه هجمات الأعداء علميا أو عمليا أو إعلاميا على شئ من ثغور الدين لا يفرقون فيه بين المسائل، فقد عرفوا مثلا أن من تسامح في مسألة علم الغيب أو إيمان أبي طالب أو أمثالهما فقد تسامح في الجميع، فإن دين الله مجموعة واحدة بأي جانب منه أصابت سهام أعداء الإسلام فقد أضر بكيان جميعه . ماذا قالوا فى كلمة الغيب؟ قال الجوهرى فى الصحاح: [ غيب ] الغيب: كل ما غاب عنك. تقول: غاب عنه غيبة وغيبا وغيابا وغيوبا ومغيبا. وجمع الغائب غيب وغياب وغيب أيضا. وإنما ثبتت فيه الياء مع التحريك لانه شبه بصيد وإن كان جمعا. وصيد مصدر: قولك بعير أصيد، لانه يجوز أن ينوى به المصدر . وقال ابن الأثير فى النهاية: باب العين مع الياء: (غيب). . . . . . علم الغيب، والإيمان بالغيب " وهو كل ما غاب عن العيون. وسواء كان محصلا في القلوب أو غير محصل. تقول: غاب عنه غيبا وغيبة . وقال ابن منظور فى لسان العرب: باب العين مع الياء * غيب: الغيب: الشك، وجمعه غياب وغيوب، قال: أنت نبي تعلم الغيابا، * لا قائلا إفكا ولا مرتابا. والغيب: كل ما غاب عنك. أبو إسحق في قوله تعالى: يؤمنون بالغيب، أي يؤمنون بما غاب عنهم، مما أخبرهم به النبي، صلى الله عليه وسلم، من أمر البعث والجنة والنار. وكل ما غاب عنهم مما أنبأهم به، فهو غيب، وقال ابن الأعرابي: يؤمنون بالله. قال: والغيب أيضا ما غاب عن العيون، وإن كان محصلا في القلوب. ويقال: سمعت صوتا من وراء الغيب أي من موضع لا أراه. وقد تكرر في الحديث ذكر الغيب، وهو كل ما غاب عن العيون، سواء كان محصلا في القلوب، أو غير محصل. وغاب عني الأمر غيبا، وغيابا، وغيبة، وغيبوبة، وغيوبا، ومغابا، ومغيبا، وتغيب: بطن. وغيبه هو، وغيبه عنه . بعض الأمور مستاثرة فى علم الغيب عند البارى عز و جل و من ما ورد فى بعض المصادر إستئثار الله عز و جل بأمر غيبى لا يطلع عليه أحد من خلقه: و قد جاء فى الصحيفة السجادية (جمع الابطحي) - مما روي من أدعية الامام زين العابدين (عليه السلام) ص 64: أني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم سميت به نفسك، و أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور بصري، وشفاء صدري. . . إثبات علم الغيب للرسول (صلى الله عليه وآله) و تعليمه لأمير المؤمنين (عليه السلام) لكن وجدنا فى بعض الروايات ما يدل على علم غيبى يعلمه الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) و علّمه وصيه و خليفته من بعده أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، و قد جاء من كتاب دلائل الامامة فى جواب الإمام الباقر (عليه السلام) لسؤالات هشام: فى قوله تعالى: (وتعيها أذن واعية. الحاقة 69: 12. ) فقال رسول الله لأصحابه: سألت الله (تعالى) أن يجعلها أذنك يا علي، فلذلك قال علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) بالكوفة: علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألف باب من العلم يفتح من كل باب ألف باب، خصه به رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكنون علمه ما خصه الله به، فصار إلينا وتوارثناه من دون قومنا. فقال له هشام: إن عليا كان يدعي علم الغيب، والله لم يطلع على غيبه أحدا فمن أين ادعى ذلك؟ فقال أبي: إن الله (جل ذكره) أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة، في قوله: ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين. النحل 16: 89. وفي قوله: كل شئ أحصيناه في إمام مبين. يس 36: 12. وفي قوله: ما فرطنا في الكتاب من شئ. الأنعام 6: 38. وفي قوله: وما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين. النمل 27: 75. وأوحى الله (تعالى) إلى نبيه (عليه السلام) أن لا يبقي في غيبه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا، فأمره أن يؤلف القرآن من بعده، ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه، وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي، فإنه مني وأنا منه، له مالي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز موعدي. ثم قال لأصحابه: علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي (عليه السلام)، ولذلك قال رسول الله لأصحابه: أقضاكم علي، أي هو قاضيكم. وقال عمر بن الخطاب: لولا علي لهلك عمر. أفيشهد له عمر ويجحد غيره؟ ! الله يشهد أن الرسول (صلى الله عليه وآله) ووصيه المرتضى يعلمان الغيب فبالرجوع إلى العبارات التالية يمكن لنا إكتشاف ما تحتويه من إظهار الغيب للمرضى عند الله سبحانه و تعالى، فقد جاء أيضا من كتاب الإحتجاج للطبرسى قدس سره؛ . . . وعرف الخلق اقتدارهم على علم الغيب بقوله: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول " وهم: النعيم الذي يسأل العباد عنه، لأن الله تبارك وتعالى أنعم بهم على من اتبعهم من أوليائهم. قال السائل: من هؤلاء الحجج؟ قال: هم رسول الله، ومن حل محله من أصفياء الله الذين قرنهم الله بنفسه ورسوله، وفرض على العباد من طاعتهم مثل الذي فرض عليهم منها لنفسه، وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " وقال فيهم: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم " قال السائل: ما ذاك الأمر؟ قال علي عليه السلام: الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، من: خلق، ورزق، وأجل، وعمل، وعمر، وحياة وموت، وعلم غيب السماوات والأرض، والمعجزات التي لا تنبغي إلا لله وأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه، وهم وجه الله الذي قال: فأينما تولوا فثم وجه الله " هم بقية الله يعني المهدي يأتي عند انقضاء هذه النظرة، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا، ومن آياته: الغيبة والاكتتام، عند عموم الطغيان، وحلول الانتقام، ولو كان هذا الأمر الذي عرفتك بأنه للنبي دون غيره، لكان الخطاب يدل على فعل ماض، غير دائم ولا مستقبل، ولقال: " نزلت الملائكة " " وفرق كل أمر حكيم " ولم يقل: " تنزل الملائكة " ويفرق كل أمر حكيم " . أوصياء الرسول (ع) إثنا عشر نقيبا مطلعون على الغيب يقول الحافظ رجب البرسي صاحب مشارق أنوار اليقين فى فصل "علم آل محمد للغيب": و هنا إننا نورد في هذا الفصل شمة من أسرار الأئمة الهداة والبررة السادات، والميامين الولاة، ونطقهم بالمغيبات، وإظهارهم الكرامات وإبرازهم الخفيات، توبيخا لأهل الجهالات، الذين أنكروا هذه الحالات، ومنعوا هذه الصفات، وزعموا أنهم من العداة. وكيف لا يطلعون على الغيب؟ ثم ذكر فى هامش ذلك أنه: إن الذي يدعي علم الغيب للإمام والنبي: لا يدعيه على نحو الاستقلالية، بل يدعي أن الله أطلع نبيه وأهل بيته على الأمور الغيبية التي لم يطلع عليها أحد. وإن شئت قلت: علم الغيب لذات الشخص وبلا توسط من الغير هو العلم الثابت لوجوب الوجود والذي هو عين الذات، وهذا مختص بالله ولغيره كفر. أما العلم بالغيب الذي هو بتوسط الله تعالى وليس هو عين الذات، فهذا الذي علمته الأئمة ورسول الله (صلى الله عليه وآله) وعليه دلت الآيات والروايات: فعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: (والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين) فقال له رجل من أصحابه: (جعلت فداك أعندكم علم الغيب؟ فقال له عليه السلام: (ويحك إني أعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء، ويحكم وسعوا صدوركم ولتبصر أعينكم ولتع قلوبكم، فنحن حجة الله تعالى في خلقه ولن يسع ذلك إلا صدر كل مؤمن قوي قوته كقوة جبل تهامة إلا بإذن الله، والله لو أردت أن أحصى لكم كل حصاة عليها لأخبرتكم) (بحار الأنوار: 26 / 28 ح 28 باب جهات علومهم عن مناقب آل أبي طالب: / 3 / 374). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي: (إن الله أطلعني على ما شاء من غيبه وحيا وتنزيل وأطلعك عليه إلهاما) (مشارق أنوار اليقين: 135 - 136 و 25 وقيل لأبي جعفر عليه السلام. إن شيعتك تدعي أنك تعلم كيل ما في دجله. وكانا جالسين على دجله. فقال له أبو جعفر عليه السلام: (يقدر الله عز وجل أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه؟) قال نعم. فقال عليه السلام: (أنا أكرم على الله من بعوضه) ثم خرج. (إثبات الوصية: 191 - 192). وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبه يوصف فيها الإمام: (فهو الصدق والعدل. يطلع على الغيب ويعطي التصرف على الإطلاق) (بحار الأنوار: 25 / 170 ح 38 ومشارق الأنوار اليقين: 115). وقال أمير المؤمنين عليه السلام: (والله لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولكه وجميع شأنه لفعلت، ولكن أخاف أن تكفروا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ألا وإني مفضيه إلى الخاصة) (نهج البلاغة: 250 الخطبة 175).