دور الشعر في معارك الرسول (ص)
الشاعر عبد الستار الكاظمي
لقد ذكرت كتب السيرة أن الرسول (ص) كان يشجع المقاتلين المقتدرين على إجادة فن الشعر ونظمه، ليحرك فيهم الهمم نحو الثقة بالنفس، فكان الشعر السلاح الأقوى في تحطيم معنويات العدو وفي إحراز النصر في ميادين المعركة.
كان الشعر في المعركة قبل الإسلام كما يقول الثعالبي:
(إن الحرب إذا دارت رحاها، صمتت الألسنة ونطقت الأسنة وخطبت السيوف على منابر الرقاب، وأقدمت الرماح على الخطط الصعاب، وتلاصقت القنا والقنابل، وتعانقت الصوارم والمناصل، وبلغت القلوب الحناجر وأدركت السيوف المناصر، وضاق المجال وتحكمت الآجال، حتى ثملت الرماح من الدماء، فتعثرت في النحور، وتكسرت في الصدور، فرجموا الأعداء من جوانبهم، وتمكنوا من فض مواكبهم).
لكنه ونظراً لقيمة الشعر الرسالي وما له من أهمية ومكانة خاصة في أهمية ومكانة خاصة في الحب لذلك فقد دعا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) أصحابه وأهل بيته للتدرع بنفس السلاح الذي كان يحمله أعداؤه المشركين في ساحة المعركة، فقد كان النبي يدفع الشخصيات التي تمتلك الطاقة الشعرية بأن تخوض المعارك بما أوتيت من قوة، فكان وقع الكلمة - كلمة الحق التي تلبس ثوب الشعر وتمتطي صهوة القافية - وقعاً عظيماً، لعله لا يقابل بوقع سل السف أو رشقة النبل، حتى قال الرسول (صلى الله عليه وآله) لكعب بن مالك ـ عندما كان مقتدراً على الرد المناسب على من هجا الرسول والرسالة وأوقع في المسلمين ـ : (اهجم، فو الذي نفسي بيده، لهو أشد عليهم من النبل).
وقد ذكر للحرب أوصافاً كثيرة لسنا بحاجة إلى سردها، وهذا الجانب لا ينكره أحد، لأن الحرب لا تدور رحاها إلا على أدوات القتال التي تمتلكها القوات المسلحة ولا تكون الحرب حرباً دون بريق السيوف وقعقعة القنابل وأزيز الرصاص.
ومن الواضح بأن معنوية المقاتل كلما كانت كبيرة كانت النتائج المتوقعة لكسب المعركة أكبر، وإن هذه المعنوية من جملة الأسباب المقومة لها هو الصوت الصادح والصادع بالحق، لاسيما إذا كان عن طريق الأساليب المتعارفة بإنشاد الأناشيد الحماسية والأهازيج والأراجيز التي كانت تجلجل بها أفواه شعراء الإسلام في المعارك. ولقد باتت هذه القضية من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان، وبالخصوص إذا كانت الأشعار في سبيل الحق، وأنها ذات بيان يصقل العقول ويجلي الشبهات، ويوجب الحجج، ويحكم عند تخاصم الظنون.
نعم كان للشاعر قبل الإسلام الحظ الأوفر، والنصاب الأكبر من رصيد الجاه القبلي والاعتبار الاجتماعي، حتى كان يقدم على الخطيب، وذلك لفرط حاجتهم إلى الشعر الذي كان يسجل عليهم مآثرهم، ويفخم شأنهم، ويهوّل على عدوهم ومن غزاهم، ويهيب من فرسانهم، ويخوف من كثرة عددهم، ويهابهم شاعر غيرهم فيراقب شاعرهم.
ولكنه وبعد تقلب الأيام وتصرّم الأعوام، وثمة كثر الشعر والشعراء واتخذوا الشعر مكسبة، وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر في بعض المواطن والأحوال، ومع كل هذا فقد بقيت أهمية الشاعر هي الأولى، لأنه كان بمثالة الصحيفة السياسية الإعلامية في هذا اليوم، باعتباره المؤسسة الإعلامية في ذلك العصر، وامتد هذا الحال بالشعر حتى إلى ما بعد صدر الإسلام...
لقد ذكرت كتب سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) الكثير من الآثار المدونة التي تكشف عن أن الرسول كان يشجع المقاتلين المقتدرين على إجادة فن الشعر ونظمه، وفي سائر الميادين، ليحرك الهمم نحو الثقة بالنفس، وعدم احتقار العدو، واستخدم الشعر لهذا الغرض.
وقيل قديماً: من الحزم أن لا يحتقر الرجل عدوه وإن كان ذليلاً، ولا يغفل عنه وإن كان حقيراً حتى قال الشاعر:
وإن كان في ساعديه قصر
فلا تحــــقرن عدواً رماكا
وتعـــــــــجز عما تنال الإبر
فإن السيوف تحز الرقاب
لقد كان الرسول يهيب بالجندي المسلم إذا تقدم للقتال وهو يرتجز، حتى أضحت هذه الحالة من الأعراف الحربية السائدة، فإنك تسمع الأشعار التي تأخذ بمجامع القلوب تندلع في رهج الهيجاء أثناء المناجزات التي كان يتصدرها الأبطال الشجعان قبل وعند احتدام القتال، وعند ذلك تنبسط المعنويات العالية في تلك المعارك.
ومن تلك المشاهد تتصدر مواقف أبطال بدر الكبرى، هذه المعركة التي كانت أول المعارك لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأشدها نكاية بالمشركين وبها أذل الله جبابرة قريش، وبها تمهدت قواعد الدين، وثبت أساس الإسلام.
والمشهور أن أول من برز من المشركين عتبة بن ربيعة وكان رئيس القوم، وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة، فدعوا إلى المبارزة فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار فقالوا لهم: ارجعوا فما لنا بكم من حاجة.
ثم نادوا: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.
فقال النبي (صلى الله عليه وآله): (يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم).
فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، فبرزوا وهم مقنعون في الحديد، فلم يعرفهم عتبة فسألهم من أنتم؟
فانتسبوا له فقال: أكفاء كرام.
فبارز حمزة عتبة فقتله وبارز علي (عليه السلام) ـ وكان أصغر القوم سناً ـ الوليد بن عتبة فقتله، وبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ شيبة فجرحه، وضربه شيبة على ساقه فقطعها، وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه واحتملا عبيده.
ولما جيء بعبيدة وأن مخ ساقه ليسيل.
قال: يا رسول الله ألست شهيداً؟
قال (صلى الله عليه وآله): بلى
فقال عبيدة: أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أني أحق بقوله:
ولمّا نطاعن دونه ونناضل
كذبتم وبيت الله نخلي محمداً
ونذهل عن أبنائنا والحلائل
وننصره حتى نصرع حـــوله
وفي غزوة السويق لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والمسلمون قالوا:
يا رسول الله أتطمع أن تكون لنا غزوة؟
قال (صلى الله عليه وآله): نعم.
وعندها قال: أبو سفيان بمكة، وهو يرتجز:
فإن ما جمـــــــــعوا لكم نفل
كروا على يثرب وجــــــمعهم
فإن ما بـــــــــــعده لكم دول
إن يك يوم القلـــــيب كان لهم
يمس رأسي وجلدي الغسل
آليت لا أقرب النســـــــــاء ولا
ـخزرج، إن الفـــؤاد يشتعل
حتى تبيروا قبـائل الأوس والـ
فأجابه أحد جنود الإسلام البواسل، وهو كعب بن مالك بقول:
جيش ابن حرب بالحرة الفشل
يا لهف أم المسبـــــحين علي
الطــــــــــــــير ترقى لقنة الجبل
إذ يطرحون الرجال من سـئم
ما كان إلا كمــــــــــفحص الدئل
جاءوا بجمع لو قيس مـبركه
أبطال أهل البطـــــــحاء والأسل