لقد أغرق القوم نزعا في الوقيعة والتحامل علي بطل الاسلام والمسلم الاول بعد ولده البار، وناصر دين الله الوحيد، فلم يقنعهم ما اختلقوه من الاقاصيص حتى عمدوا الى كتاب الله فحرفوا الكلم عن مواضعه، فافتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق، وبعدت عن الحقيقة بعد المشرقين، وهي عمدة ما استند اليه القوم في عدم تسليم ايمان أبي طالب، فاليك البيان: الاية الاولي
قوله تعالى : (وهم ينهون عنه وينأون عنه وان يهلكون الا أنفسهم وما يشعرون) (1) .
أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس أنه قال: انها نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤذي، وينأى أن يدخل في الاسلام (2) .
وقال القرطبي: هو عام في جميع الكفار، أي ينهون عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينأون عنه ، عن ابن عباس والحسن. وقيل: هو خاص بأبي طالب ينهى الكفار عن أذاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتباعد عن الايمان به، عن ابن عباس أيضا. روى أهل السير قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج الى الكعبة يوما وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة
قال أبو جهل ـ لعنه الله: من يقوم الى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانفتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، ثم أتى أبا طالب عمه فقال : يا عم ألا ترى الى ما فعل بي؟» فقال أبو طالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « عبد الله بن الزبعري » ، فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم، فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبو طالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي. فقعدوا حتى دنا اليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا ؟ فقال : عبد الله بن الزبعري». فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول، فنزلت هذه الاية : (وهم ينهون عنه وينأون عنه) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا عم نزلت فيك آية. قال: وما هي؟ قال تمنع قريشا أن تؤذيني، وتأبي أن تؤمن بي. فقال أبو طالب:
والله لن يصلوا اليك بجمعهم * حـــتى أوسد في التراب دفينا